عندما يسمع الأهل كلمة “السكر” مرتبطة بأطفالهم، فإن أول ما يخطر ببالهم هو داء السكري، ذلك المرض المزمن الذي يؤثر على مستويات السكر في الدم ويحتاج إلى متابعة وعلاج دائم.
لكن هناك حالة صحية نادرة قد تثير القلق وتسبب الكثير من الحيرة، وهي “السكر الكاذب”، أو كما يُعرف طبيًا بـ داء السكري الكاذب (Diabetes Insipidus).
هذه الحالة تختلف تمامًا عن مرض السكري المعروف، لكنها تتشابه معه في بعض الأعراض، مما يؤدي إلى سوء الفهم والارتباك.
في هذا المقال، سنأخذك في جولة شاملة لفهم السكر الكاذب عند الأطفال، أسبابه، أعراضه، تأثيره على النمو، وطرق العلاج والوقاية.
السكر الكاذب عند الأطفال
السكر الكاذب هو اضطراب نادر يصيب توازن الماء في الجسم، ويؤدي إلى العطش الشديد وكثرة التبول، دون أن يكون له علاقة بمستويات الجلوكوز في الدم. عند الأطفال، يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب على جودة حياتهم اليومية، وعلى قدرتهم على النوم والنمو والتركيز.
يحدث السكر الكاذب عندما يفشل الجسم في إنتاج أو الاستجابة لهرمون يُسمى “الهرمون المضاد لإدرار البول” (ADH)، والذي يتحكم في كمية الماء التي تحتفظ بها الكلى. النتيجة هي إنتاج كميات كبيرة من البول المخفف، مما يؤدي إلى الجفاف والعطش المتكرر.
أسباب السكر الكاذب عند الأطفال
تنقسم أسباب السكر الكاذب إلى نوعين رئيسيين:
أولًا: السكري الكاذب المركزي
يحدث بسبب خلل في إنتاج هرمون ADH من منطقة تحت المهاد في المخ أو خلل في تخزينه أو إفرازه من الغدة النخامية. من أسبابه:
1- إصابات في الرأس أو الدماغ.
2- جراحات الدماغ.
3- أورام في المخ.
4- التهابات أو أمراض مناعية تؤثر على الجهاز العصبي المركزي.
5- أسباب وراثية نادرة.
ثانيًا: السكري الكاذب الكلوي
يحدث عندما لا تستجيب الكليتان بشكل صحيح لهرمون ADH. من أسبابه:
1- مشكلات وراثية تؤثر على مستقبلات ADH في الكلى.
2- بعض الأدوية مثل الليثيوم.
3- أمراض الكلى المزمنة.
أعراض السكر الكاذب عند الأطفال
قد تتشابه أعراض السكر الكاذب مع أمراض أخرى، لكنها تتضمن بشكل رئيسي:
1- العطش الشديد والمستمر، حتى أثناء الليل.
2- كثرة التبول، وقد تصل عدد مرات التبول إلى عشرات المرات يوميًا.
3- التبول اللاإرادي، خاصة أثناء النوم.
4- جفاف الفم والجلد.
5- الإرهاق العام.
6- فقدان الوزن أو عدم اكتساب الوزن الطبيعي.
7- صعوبة في التركيز.
تأثير السكر الكاذب على نمو الأطفال
السكر الكاذب إذا لم يُشخص ويُعالج بشكل صحيح قد يؤثر على نمو الطفل بشكل واضح. ومن بين آثاره:
1- جفاف مزمن: يفقد الطفل كميات كبيرة من الماء مما يؤدي إلى اضطراب في العمليات الحيوية.
2- سوء التغذية: بسبب الإرهاق المستمر وفقدان الشهية.
3- صعوبات في النمو البدني والعقلي: نتيجة نقص السوائل والعناصر الغذائية.
4- مشاكل في النوم: نتيجة الاستيقاظ المتكرر للتبول.
تشخيص السكر الكاذب عند الأطفال
تشخيص السكر الكاذب يعتمد على عدة خطوات متتالية تشمل:
التاريخ المرضي والفحص السريري: يطرح الطبيب أسئلة حول أعراض العطش وكثرة التبول.
اختبارات البول والدم:
قياس تركيز البول (عادةً يكون مخففًا جدًا).
قياس مستويات الصوديوم والجلوكوز في الدم.
اختبار الحرمان من الماء: يتم في المستشفى وتحت إشراف طبي، حيث يُمنع الطفل من شرب الماء لفترة ويتم قياس كمية البول وتركيزه باستمرار.
اختبار حقن هرمون ADH الصناعي (ديزموبريسين): لتحديد ما إذا كان السبب مركزيًا أو كلويا.
تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي: للكشف عن أي أورام أو إصابات في منطقة ما تحت المهاد أو الغدة النخامية.
علاج السكر الكاذب للأطفال
يعتمد العلاج على نوع السكر الكاذب:
أولًا: السكري الكاذب المركزي
حيث يشمل العلاج الأساسي هرمون ديزموبريسين (Desmopressin) الذي يُعوض نقص ADH.
يُمكن إعطاؤه كأقراص، بخاخ أنفي، أو حقن.
ثانيًا: السكري الكاذب الكلوي
قد لا يستجيب لحُقن ديزموبريسين.
يُستخدم أحيانًا مدرات البول مثل الثيازايد.
تقليل تناول الصوديوم.
شرب كميات كافية من الماء لتفادي الجفاف.
كيفية الوقاية من السكر الكاذب للأطفال
لا توجد طرق مضمونة للوقاية من السكر الكاذب الوراثي، لكن يمكن اتخاذ بعض الإجراءات لتقليل فرص تطور المرض أو مضاعفاته:
1- تجنب إصابات الرأس من خلال استخدام أدوات الوقاية أثناء اللعب والرياضة.
2- مراقبة الطفل في حال وجود تاريخ عائلي للمرض.
3- تجنب الأدوية التي قد تؤثر على الكلى إلا تحت إشراف طبي.
4- إجراء فحوصات دورية إذا ظهرت أعراض مشابهة
الأطعمة المناسبة للأطفال المصابين بالسكر الكاذب
التغذية تلعب دورًا مساعدًا مهمًا في التحكم في أعراض السكر الكاذب:
1- التركيز على الأطعمة الغنية بالماء مثل الفواكه (البطيخ، البرتقال) والخضروات (الخيار، الكوسة).
2- تقليل تناول الأطعمة المالحة والمُصنعة التي تزيد من احتباس الصوديوم.
3- تقديم وجبات خفيفة متكررة للحفاظ على طاقة الطفل.
4- الاهتمام بشرب السوائل الطبيعية مثل الماء والعصائر الطازجة.
متى يجب زيارة الطبيب بسبب السكر الكاذب للأطفال
يجب التوجه للطبيب فورًا في الحالات التالية:
1- زيادة مفاجئة في عدد مرات التبول.
2- عطش شديد لا يهدأ.
3- علامات جفاف مثل جفاف الجلد واللسان.
4- فقدان الوزن غير مبرر.
5- الإرهاق والتعب الدائم.
6- أعراض عصبية مثل الصداع أو تغير في السلوك.
هل يمكن الشفاء من السكر الكاذب عند الأطفال
يعتمد الشفاء من السكر الكاذب عند الاطفال على السبب:
1- السكري الكاذب المؤقت: مثل الذي يحدث بعد جراحة دماغية أو إصابة، يمكن أن يشفى تمامًا.
2- السكري الكاذب المركزي المزمن: يمكن السيطرة عليه بشكل ممتاز بالعلاج مدى الحياة.
3- السكري الكاذب الكلوي الوراثي: لا يُشفى نهائيًا، لكن يمكن إدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة.
بالمتابعة المنتظمة والالتزام بالخطة العلاجية، يستطيع معظم الأطفال أن يعيشوا حياة طبيعية وسعيدة.
ختامًا: فإن السكر الكاذب عند الأطفال قد يبدو مخيفًا في بدايته، لكن مع الفهم الجيد للمرض، والتشخيص المبكر، والعلاج السليم، يمكن للأهل مساعدة أطفالهم على التكيف والتغلب على التحديات.
كما أنه لا بد من الانتباه إلى الأعراض غير المعتادة، واللجوء إلى الاستشارة الطبية عند الحاجة. فالصحة تبدأ من المعرفة، والمعرفة تبدأ من الاهتمام.